09 - 05 - 2025

بحبر الروح| جِنَاس تام أم ناقص؟!

بحبر الروح| جِنَاس تام أم ناقص؟!

قاعدة بلاغية شهيرة تحسبها أسيرة القوافى والنصوص النثرية الأنيقة، فى حين أنها تُشكل حجر الزاوية للعديد من المشاهد الحياتية والقضايا الخلافية شديدة الحساسية لقياس إلى أى مدى تتناغم العلاقات وتتطابق.. من هنا أخذتنى نوبة تأمُل فى محاولة قراءة وفهم طبيعة العلاقة، التى تربط بين المبدع وإبداعه، وإذا ما كانت هذه العلاقة قائمة على التناغُم الكلى أو الجزئى؟ أم أن هناك اعتبارات قد تُغير الموسيقى الافتراضية لهذا اللحن الخبيء.

لا أحاول تأطير هذه العلاقة المعنوية المُحلِقة، لأننى أراها علاقة جامحة لا تخضع لأية أُطر من الأساس، رغم كونها مُضبَبة ومَليئة بالألغَاز والمطبات النفسية الشاسعة، التى قد تحد من فهم سياقاتها بدقة.. فكم شغلنى جوهر هذه المعضلة الإبداعية أو بالأحرى الإنسانية، التى تحكم الصلة العميقة بين المبدع وأعماله، والتى لا أعرف لها سندا منطقيا حتى أتكىء عليه، ومن ثَم دارت فى ذهنى تساؤلات عصيّة، حيث لا رَجع للصدى اَستجدِى منه إجابة، فتشكل أمامى فيضان كاسح من الأسئلة والمتاهات .

تُرى.. إلى أى مدى يتماهى المُبدِع مع الإبداع الذى يحاكيه؟ وهل هناك ربط منطقى بين ما يقدمه من مضامين وبين قناعاته الشخصية؟ وإذا ما لم يكن هناك ذلك التطابق المنشود بينهما، أيمكن الحفاظ على مصداقية المُنتَج الإبداعى؟ وحين يُصبِح الإبداع حرفة يُتقنها بعض الملائكة المطرودين من جنة الرضا، أيصبح إبداعهم دربا من لعنة مستترة تطوى داخلها جثمان العصيان؟ وإذا ما غرد المُبدِع خارج السرب سيحكمون عليه بالفناء أم سينصفونه بعد مماته أم سيظل مغبوناً حياً كان أو ميتاً؟ وماذا عن مرتزقة الإبداع.. وكيف يحتالون على هذا العالم السخى؟ وماذا عن الناجين من الحياة تشبثاً بعالم افتراضى يتحرر من أوثان الواقع؟

لو تركتمونى أتساءل، لأصطفت أمامى الاسئلة دون أن تنتهى، فكل سؤال يطرح حالة موجودة بالفعل بين حنايا هذا العالم الرحب، فهناك صدع عظيم فى جدار الإبداع يمكنه ابتلاع العديد من المقدمات دون أن يقودنا إلى نتائج واضحة، فتبدو الأسئلة تعجيزية والاجابات اجتهادية.. فهناك مَن يبدعون كما مرضى الفِصام، وهناك مَن يبدعون كما السارق الذى يمتلك موهبة خفة اليد.. 

هناك مَن يبدعون كما الواعِظ على منبر بلا جماهير، وهناك من يبدعون كما عازف الربابة الذى تُبكيك ألحانه من على بُعد دون أن تلمحه عيناك.. هناك مَن يبدعون تحت مظلة من التكبيرات والتهليلات، وهناك مَن يبدعون وسط خواء قارس البرودة لا يكفكف إنهمارات دواخلهم.

وعلى اختلاف الحالات والصور المُتخيَلة يبقى الإبداع فى أسمى وأرقى حالاته لا يحتاج إلى توصيف أو حتى مسمى يربطه بصاحبه، لكونه لصيق به كما روحه.. فقط ستجد المُبدع الحق مٌتلبِساً بإبداعه مع ثبوت كافة الأدلة الحسية واللامرئية على تدفقاته المُجرَدة، التى حاول بها النجاة من إعصار الحياة، فإذا بها تهبه جذوة اليقين، التى لا تنطفىء، ولا تدعه ينخدِع فى زيف ما يلاقيه.. ومثل هذا الفارق الحيوى- كالذى بين الموتى والأحياء - هو ما يُخلِد مُبدعين ويطوى صفحات أخرين.
 ________

بقلم: شيرين ماهر

مقالات اخرى للكاتب

 بحبر الروح |